Translate

السبت، ٧ يوليو ٢٠١٢

جيولوجيا عمان جماليات ترفد ثراء المكان


بعد ما يقارب سبعة وستين عاما على نشر أول دراسة علمية حول جيولوجية عمان، وزهاء خمسة وعشرين عاما على الانفتاح الفعلي للدراسات الحقلية في عمان، بدأت تتضح كثير من المعالم الدقيقة لجيولوجية أرض تضرب بجذورها في نسغ التاريخ الكوني.. هذه الارض التي هيأ لها موقعها أهمية بالغة كون أنها محاطة بثلاثة بحار نشأ وتأثر كل منها بأحداث وظروف جيولوجية معينة.. لذلك نراها تشتمل على ثلاثة أقاليم جيولوجية مختلفة.. فجيولوجية محافظة ظفار تأثرت الى حد ما وفي فترة من فترات تاريخها الجيولوجي بما دار في خليج عدن. أما المنطقة الوسطى (الحقف) فكان لتاريخ المحيط الهندي والبحر العربي تأثير كبير في تشكيل بناها وتراكبيها.. كما وقد كان لوجود محيط التيثيس (tethys) القديم اثره الكبير في جعل جبال عمان الشمالية - والتي لم تكن بالطبع كما نراها في شكلها الحالي - متحفا رائعا.

ومنذ أن نشر جورج ليز (less) في عام 1928م بحثا حول (جيولوجية وتكتونية عمان وأجزاء من جنوب شبه الجزيرة العربية) والذي تضمن دراسات حول الاستراتيجرافية والتركيبية ودراسة عن الحفريات، منذ ذلك الوقت وعمان محط أنظار كثير من مشاهير علم الجيولوجيا العالميين..

ولعل البحث الذي قام به كين جليني (Glennie) ورفاقه في عام 1974م كان التأسيس الحقيقي لما يسمى اليوم بـ(جيولوجية عمان)، حيث استفاد جليني ممن سبقوه إلى دراسة هذه الجيولوجية عندما قام بمراجعات كثيرة خلص في النهاية منها ببحث ضخم قيم مشفوع بعدد كبير من الخرائط والجداول، هذا البحث يعد اليوم اللبنة الأولى التي مهدت الطريق لكثير من البحاثة من مختلف دول العالم..

واليوم وبعد أن تشكلت معظم الملامح العامة لهذه الجيولوجية وتخالطت معظم التسميات التي اطلقت -من خلال كثير من الدراسات -على التكوينات الصخرية المختلفة في عمان وأضحى من الصعب تمييز اسماء وخصائص كل ذلك الكم الكبير من التكوينات، يجيء كتاب (الدليل الحقلي إلى جيولموجية عمان) للدكتور سمير حنا كمادة تتبلور من خلالها جيولوجية عمان بطريقة منظمة ومبسطة، ولتكون كمرشد يقود الباحث والطالب والهاوي والسائح على السواء إلى مكنونات الطبيعة الصخرية متنوعة الشراء في عمان. إذ تطالعك منذ الوهلة الأولى الطريقة العلمية التي انتهجها المؤلف في مساق طرحه الشيق لكم مركز من المعلومات صيفت بلغة سلسة تقترب من الشعرية في مواضع الوصف، متوائمة في ذلك وجمال الموضوع ومتناغمة والاخراج الفني الانيق الذي ظهر به الكتاب..

وقد عكست موضوعات الكتاب الجهد الكبير الذي قام به مؤلفه الدكتور سمير حنا الاستاذ المشارك بقسم علوم الأرض بكلية العلوم - جامعة السلطان قابوس، والذي بدأت علاقته بجيولوجية عمان منذ ما يربو على أربعة عشر عاما، حين قدم إلى عمان كباحث مع شركة أموكو (Amoco) ثم كأستاذ بجامعة السلطان قابوس، حيث يقوم الآن بتدريس مقرر (جيولوجية عمان) لطلاب قسم علوم الأرض. للدكتور حنا الكثير من البحوث الهامة حول تكتونية وتركيبية جيولوجية عمان وأجزاء أخرى من العالم.. ونستعرض هنا الجزء الأول من كتابه (Field Guide to the geology of Oman) الذي قامت بنشره الجمعية العمانية التاريخية..

قسم المؤلف كتابه الى قسمين رئيسيين:

- الأول: عبارة، عن نظرة عامة ومقدمة إلى جيولوجية عمان، إضافة إلى تبسيط لبعض المفاهيم الأساسية لعلم الجيولوجيا..

-الثاني: قسمه إلى اجزاء عديدة تحدث فيها عن عشرة من الأودية والأمكنة الجيولوجية الهامة في عمان، شارحا كيفية الوصول اليها وما تحتويه تلك المناطق من مظاهر..ونعرض فيما يلي بعضا من الجوانب التي برزت بين ثنايا هذا الكتاب.

يستفتح الكتاب بمقدمة لنائب رئيس الجمعية العمانية التاريخية حيث يشير إلى أنه قبل عام 1970م لم تكن جيولوجية عمان معروفة بالفعل.. ويقول: إن مجموعة من الباحثين بالتعاون مع مجموعات أخرى تعاونت فيما بينها لفهم جيولوجية واحد من أهم النطاقات الجبلية الشيقة والتي استقطبت جيولوجيين من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية (بالذات بريطانيا وفرنسا)؛ حيث تتفق تلك البحوث كافة على أن جبال عمان تحتوي افضل قطاع صخري منكشف وبارز في العالم لصخور الأوفيوليت التي تتكون وتكون أساسا اسفل سطح المحيط.

ولسهولة الوصول اليها ولبروزها الواضح ولتنوعها وثرائها تعد جبال عمان واحدة من افضل المتاحف الطبيعية الجيولوجية في العالم..

جاء في سياق مقدمة الكتاب أيضا: للأسف لم يكن هناك دليل حقلي يرشد الى أماكن تواجد هذه الصخور ولذلك صمم هذا الكتاب - الذي يسلط الضوء في جزئه الأول على جبال الحجر الغربي وجبال مسندم - بحيث يستخدمه كل من الجيولوجيين الهواة والمحترفين.

وفيما يلي استعراض للقسم الأول والذي يستهله المؤلف بمقدمة يقول فيها: حتى مجرد الزائر العابر لعمان لابد وأن يذهل بجبال عمان والتي تشبه إلى حد كبير المناظر الطبيعية التي لا ترى عادة إلا في أفلام الخيال العلمي (Science Fiction Films) إذ تشكل هذه الجبال الستارة الخلفية (backdrop) الجميلة التي تحتضن منطقة مسقط والتي تفطس إلى أسفل ناحية البحر مكونة خطا متعرجا هو خط الشاطىء..

إن المناظر والايحاءات التي يمكن مشاهدتها في هذه الجبال متباينة ؟ فهناك نماذج لجبال الألب المقببة ذات الذرى الشاهقة، وهناك أيضا المناظر الطبيعية الجبلية التي تشبه تلك الموجودة على سطح القمر وهذه يمكن مشاهدتها في سيح حطاط..

ولعل تأثير محيط التيثيس في جبال عمان الشمالية هو السبب في جعلها مشابهة لجبال الألب، لان عمر هذا المحيط -والذي تعرف بقاياه اليوم بخليج عمان - يعود الى الفترة من 280 مليون سنة إلى 90 مليون سنة، ويمتد جغرافيا من شمال جبال الألب وحتى جبال الهيمالايا والشرق الاقصي.. ولم يترك هذا المحيط في أي مكان من سلاسل جبال الالب ما يناظر ما قد تركا هنا على ارض عمان..

تتيح جبال عمان للجيولوجيين فرصة عظيمة لاستكشاف عجيبة من عجائب الجيولوجيا في العالم في مكان نجد فيه الصخور بارزة غير مغطاة أسفل التراب أو تحت غطاء نباتي كما هو الحال في معظم الامكنة الجيولوجية في العالم.

لم تكن أرض عمان صحراوية كما هي عليه اليوم فقد تغير الطقس بعمان تغيرا دراماتيكيا عبر حقب تاريخ عمان الجيولوجي.. فالرواسب الثلجية القديمة المكتشفة في المنطقة الداخلية تثبت على أن عمان كانت قبل حوالي 900 مليون سنة تقع على خط عرض قريب من القطب الجنوبي، واليوم وعلى قمة جبل شمس (أعل قمة في السلطنة) يمكن مشاهدة مستحدثات ومتحجرات بحرية كانت يوما ما تعيش في المياه الضحلة للمحيط الاستوائي.. الفحم أيضا كان له تواجده في عمان وهو دليل آخر على وجود غابات قديمة..

وقد اكتشفت حديثا عظام لديناصورات بالقرب من الشارع المؤدي إلى نزوى بالقرب من فنجا والخوض.. ولعل ورود هذه المعلومة هنا تذكرنا بمقال للدكتور حنا بعنوان ديناصورات عمان نشرته مجلة (Tribute to Oman) عام 1992م، حين اكتشف المؤلف برفقة بريان كليسولد في عام 1982م بداخل صخور سائبة في وادي الخوض عظاما متحجرة أرسلت إلى متحف التاريخ الطبيعي بلندن حيث كانت مفاجأة للمختصين حين أوضحت التحاليل أن تلك العظام عبارة عن بقايا متحجرات لسلاحف وتماسيح ما قبل التاريخ والتي عاشت قديما في منطقة الخوض.. وفي عام 1987م تم اكتشاف عظم ديناصور يرجع تاريخه الى حوالي 65 مليون سنة، وفي هذا ما يشير إلى أن عمان كانت مغطاة في ذلك الوقت بغطاء نباتي كثيف، إذ لابد من وجوده لأنه المصدر الرئيسي لغذاء الديناصورات. ولعل اكتشاف مستحدثات لنباتات متحجرة ترجع الى نفس ذلك الزمن الجيولوجي لدليل آخر يؤكد صحة تلك الافتراضات.

ويشير الدكتور حنا في المقدمة الى وجود العديد من الكهوف في عمان ولعل أبرزها كهف (مجلس الجن) والذي يعد ثاني اكبر كهف (مجوف) في العالم ؟ الأمر الذي يعطي أبعادا أخرى لهذه الجيولوجية الفريدة..

ورد في المقدمة كذلك: إن رحلة بداخل الصحراء تظهر وتكشف قببا ملحية جلبت صخورا عمرها اكثر من 600 مليون سنة الى السطح، كذلك أحجار (الجيود) ذات الأشكال الكروية والتي تشبه الى حد كبير القرنبيط نراها أيضا بالقرب من صلالة مليئة ومبطنة ببلورات الكوارتز، وهى عبارة عن كتل صخرية دائرية الشكل لها لون قاتم من الخارج ومرصعة من الداخل ببلورات مشعة من الكوارتز ذات الألوان المتناسقة. يرجع أصل الجيود في ظفار إلى منتصف العصر الأيوسيني (Eocene) أي قبل 45 مليون سنة، وبالامكان رؤية أفضل أنواع وأشكال الجيودات في المنطقة الواقعة غرب ثمريت، في حين بالامكان رؤية الجيودات الأخرى الصغيرة غير المتناسقة بالاتجاه شرقا ناحية مرمول.. ويذكر أن أحجار الجيود في مرمول يمكن صقلها وتهذيبها لترقى إلى درجة الأحجار الكريمة..

إضافة إلى ذلك اكتشف في عمان الذهب والرصاص والزنك والكرومايت والنحاس وكلها تستغل الآن صناعيا.وقد اشتهرت عمان منذ آلاف السنين بوجود مناجم للنحاس ساهم وجودها في خلق علاقات قديمة مع حضارات وادي الرافدين أي منذ 5000 ق.م وقد اجمع المختصون في تاريخ العراق القديم بعد تحليل النصوص المسمارية لفترة النصف الأول من الألف الثالث ق.م أن ميلوخا هي القسم الجنوبي الشرقي من عمان أي رأس الحد، وسموها بذلك الاسم الذي يعني (المواد كثيرة النقاوة) لأنهم كانوا يستوردون منها المواد والأحجار الثمينة. كما تدل النصوص التي تعود الى زمن الملك سرجون الأكدي ( 2340-2284ق.م) على أن مجان التي كانوا يستوردون منها أحجار الدايورايت لنقش آثارهم عليها هي عمان. ولا تزال أعمال التنقيب حتى اليوم تكشف آثار عمال المناجم القدماء كمواد وأدوات وقنوات الصهر.

ويذكر المؤلف أن اكتشاف النفط في عمان أدى إلى تكثيف الدراسات والبحوث الجيولوجية الخاصة بعمان. وكتب: قد يصرف المرء عمره كاملا باحثا عن كثير من الظواهر الجيولوجية لكنه هنا في عمان بمستطاعه أن يرى كل تلك الظواهر ماثلة أمامه لأنه يمكن لذا أن نتخيل صخور عمان على أنها قطاع عرض يمثل مختلف أنواع الصخور الموجودة على الكرة الارضية، كما أن صخورها ذات أعمار متباينة: بدءا من الصخور التي تزيد أعمارها على 1000 مليون عام إلى التربة الحديثة التي تملا الأودية حاليا. ويوجد بعمان كذلك معظم أنواع المستحدثات بدءا من أقدم حفريات للطحالب وجدت في العالم (الاستروماتولايت) والمنخريات والاشجار المتحجرة وغيرها.

ولتسهيل مهمة القارىء غير المختص بسط المؤلف العديد من المفاهيم الاساسية الخاصة بعلم الجيولوجيا كجدول التأريخ الجيولوجي ونظرية الألواح البنائية وحركة القارات، وقد طرح المؤلف العديد من الاسئلة العلمية الهامة مثل: كيف انقذفت صخور الافيوليت النارية من عمق المحيط إلى أعلى الكتلة القارية ؟ ثم قام بشرح الطرق التي اقترحها العديد من العلماء.

أما تاريخ عمان الجيولوجي فقد لخصه المؤلف مشيرا إلى أن عمان عبرت خلال تاريخها الطويل بالعديد من البيئات اليابسة والقطبية.. فمثلا: قبل 600 مليون سنة كانت عمان قريبة من القطب الجنوبي مغطاة بالثلج، وعندما تحركت باتجاه الشمال ذابت الثلوج مكونة صخورا ترسبت أسفل المياه المذابة، ويمكن رؤية مثل هذه الصخور بوادي بني خروص ووادي ستال. بعد تلك الحقبة مرت عمان بعصور يابسة وأخرى ثلجية بصورة متوالية.

وفي عمان هناك تباين فريد بين الصخور القديمة والأحدث عمرا وقد استعرض المؤلف مختلف مجموعات الصخور التي قسمت بواسطة العديد من العلماء محددا أصولها وامكنتها تكتونيا وأعمارها. وأفرد جزءا خاصا لصخور الافيوليت أسماه تشريح الافيوليت.

الرحلات الحقلية:

في الجزء الثاني من الكتاب صمم المؤلف سبع عشرة رحلة رسم من خلالها كل ما يحتاجه السائح والمختص للوصول إلى أجمل المناطق الشمالية بعمان ؟ ففي بداية كل رحلة نجد اضاءات تشير إلى أسماء الخرائط التي سوف نحتاج اليها وأهم الظواهر التي يعرضها كل واد والمدة الزمنية التي سنحتاجها للقيام بالرحلة. وضع المؤلف رحلاته _ كما يقول _ بحيث تشمل أهم وأفضل الصخور والأمثلة موضحا إياها بطريقة تتابعية قاصدا من ذلك التسهيل لإنجاز الرحلة.

أما الأمكنة فهي: وادي بني خروص، وادي الحجير، نخل، مقلع الكرومايت بالطوية، وادي الأبيض، وادي بني عوف، وادي السحتن، وادي الحواسنة، وادي بني غافر، بوه، الطو، الآجال، منكشف سمائل، وادي المعيدن، وادي غول، جبل شمس، شرفة العلمين، وشبه جزيرة مسندم.


منقوووول ...